ومن سورة الأعراف
  مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[٨] يدل على أن ما يفعله تعالى مستحق لا محالة ليكون عدلا، ولو كان كما يقول المجبرة لم يصح ذلك، لأنه ليس من الحق والعدل أن يدخل الأنبياء النار، على ما جوزوه، ولا أن يعذب أطفال المشركين في النار، على ما قاله بعضهم(١).
  وهذه الآية تدل على نصب الموازين في الحقيقة يوم القيامة، لأنه تعالى ذكرها، وذكر فيها الخفة والثقل، وقد بينا أن وزن الأعمال مع أنها عرض، وهي متقضية، يستحيل، فالمراد بذلك أنه تعالى يجعل فيها أمارة ليتبين برجحان البعض أن المطيع من أهل الجنة، فيعظم سروره إذا وقف العالم هناك على حاله، ويكون داعية له في حال التكليف إلى التمسك بالطاعة والمثابرة عليها، وبارتفاع البعض وخفته يعلم حال العاصي وأنه من أهل النار، فيكون ذلك فضيحة له، وحلول غم عظيم به، وردعا له في حال التكليف، إذا علم ذلك من عاقبة أمره، عن المعاصي.
  وهذا أحد ما يقوى العدل، لأنه تعالى قد فعل ما يكون المكلف [معه] إلى الطاعة ومجانبة المعصية أقرب، ولو كان هو الخالق لهما فيه لكان تصور الموازين لا يؤثر في حاله إن أراد فيه المعصية أو أراد الطاعة، ولكان ذلك عبثا.
  وهذا يبطل القول بأن الغرض في هذه الأمور تعرف الأحوال! فإذا كان تعالى عارفا بأحوال المكلف فما فائدة الموازين؟ لأنا قد بينا أن الفائدة فيها ترجع إلى المكلف لا إليه تعالى؛ لأنه عالم لنفسه، فكما يحسن من أحدنا أن يبكت غيره بوزن الشيء وتعرف مقداره ليعرفه بطلان ما قال أو
(١) انظر: أصول الدين للبغدادي، ص ٢٥٩.