[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  فان قال: فما الفائدة في أن يخلقه تعالى لتكون هذه حاله في رد العباد عن الطاعة! وتمكينه من دعائهم، وتوليته من نعمه ليكون إلى ذلك أقرب، وهل(١) يجوز أن يكون هذا من فعل حكيم؟!
  قيل له: إنه تعالى خلقه لكي يؤمن ويطيع، وعرّضه بذلك للنعيم، فأبى إلا التمرد مع التمكن مع الطاعة، وإنما أتى من قبل نفسه.
  فأما دعاؤه الخلق إلى المعاصي فذلك غير مدخل لهم فيها ولا مانع لهم من الطاعة، لأنه أضعف في ذلك من دعاء شياطين الإنس، لأنهم يجبهون ويجهرون بالقول ويوردون الشبه، وما يفعله من الوسوسة بخلاف ذلك، وإذا لم يكن حاملا على المعصية فبأن لا يكون دعاؤه كذلك أولى.
  ويجوز أن يكون تعالى علم أنه إذا(٢) أشعر الناس أمره، «وقد ضمن له البقاء(٣)»، كانوا إلى التحرز أقرب، وتحرزهم منه يدعوهم إلى التحرز من سائر المعاصي، وكما يجب أن نقول في خلق الحيات والعقارب: إنها نعمة من حيث دعانا تعالى بما نعلمه من حالها إلى التحرز الشديد، وذلك يؤدى إلى التحرز من المعاصي، فكذلك ما قلناه.
  وقد قال شيخونا رحمهم اللّه: إنه لو علم تعالى أن عند دعائه يكفر بعضهم على وجه لولا دعاؤه لآمن لا محالة، لمنعه تعالى من ذلك، وإنما يخلى بينه وبين دعاء من المعلوم أنه يفسد على كل حال، أو يفسد لولا دعاؤه لأمر آخر يحدث
(١) في د: وقيل.
(٢) ساقطة من د.
(٣) في د: فإنه قد تضمن هذا الدعاء. وفي ف: وقد تضمن بهذا الدعاء. ولعل، الصواب ما أثبت، يشير بذلك إلى قوله تعالى، في الآية (١٥) السابقة: {قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} وانظر في السورة قصة إبليس، الآية: ١١ فما بعدها.