[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  تعالى يستدرج الكفار بأن يحل بهم النقمات وينزل بهم العذاب(١) والعقوبات من حيث لا يشعرون، لأنهم استحقوه على كفرهم، ولا ننكر أن يمد لهم في العمر، وإن كان لا يريد منهم إلا الطاعة، دون ما يعلم من حالهم أنهم يختارونه(٢).
  وإنما وصف نفسه بالكيد وإن كان يستحيل ذلك عليه لما كان ما يفعله بهم يقع على وجه لا يشعرون [به] ولا يجدون عنه مذهبا، فسماه من هذا الوجه كيدا.
  ٢٧١ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يضل عن الإيمان والحق، وأنه يدع العاصي في العمة والطغيان فلا يخلصه منهما، فقال تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[١٨٦].
  والجواب عن ذلك قد تقدم، لأنا قد بينا أن الضلال «قد يكون(٣) على وجوه(٤) فمما يليق بهذا الموضع: الإضلال بمعنى العقوبة، وبمعنى الذهاب بهم عن طريق الجنة؛ لأن من جعله اللّه كذلك فلا هادي له؛ لأن أحدنا لا يقدر على استنقاذه، وليس في الآية أنه تعالى فعل ذلك، وإنما فيه أن من أضله فلا هادي له، وقد يصح هذا الكلام وإن كان ذلك مما لا يقع البتة.
  وقوله: {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ظاهره أنه لا يستنقذهم مما ينزل بهم، وهذا صحيح، لأنه لا يجب عليه تعالى إزالة العقوبات عن المستحق لها، ولا يجب عليه أيضا إخراج الكافر من كفره ومعصيته على جهة القسر،
(١) د: العداوات.
(٢) انظر المغنى: ١١/ ١٥٩ فما بعدها.
(٣) ساقط من ف.
(٤) انظر الفقرة: ٢٢.