[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  آدم لا يجوز أن يكون قد أشرك في الحقيقة، وكذلك حواء، فإذا علم نفى ذلك عنهما لم يبق إلا رجوع الكلام إلى المذكور الآخر.
  فإن قال: إن من حق الضمير أن يرد إلى المذكور المصرح فيجب أن يرد ذلك إليهما!
  قيل له: لا فرق بين أن يكون الذكر قد تقدم على حد الجملة أو التفصيل أو الإضمار أو الاظهار، في أن الكلام الثاني قد يجوز رجوعه إلى أحدهما، خصوصا إذا ثبت ذلك بالدليل، فلا وجه للمنع مما ذكرناه.
  واعلم أن تقدير الكلام: أنه خلق كل نفس منكم من نفس واحدة:
  الذكر والأنثى، وجعل منها زوجها من النفس الواحدة، ثم ساق الكلام في وصف آدم وحواء، وبين أنهما دعوا اللّه أن يرزقهما ذرية صالحة، أو ولدا صالحا، وأراد بذلك الجنس دون ولد واحد، فقال تعالى: {فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً}(١) يعنى فلما: أجابهما إلى ما طلبا فرزقهما الولد الصالح المشتمل على الذكر والأنثى {جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما} يعنى: الولد الذي رزقهما دونهما.
  ومتى قدر الكلام على هذا الوجه(٢) استقام أيضا فيه الجمع، فيصح تعلق قوله تعالى: {فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} بذلك، لأنه إذا أريد به الذكر والأنثى من الأنفس المخلوقة من النفس الواحدة صلح رد الكلام إليهما بذكر التثنية، وإذا أريد به الأنفس المخلوقة التي هي جمع صلح وصفها بالجمع.
  فإن قال: إذا كانا طلبا منه تعالى الولد الصالح، فكيف يجوز أن يقول:
  {فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً} فبين أنه أجابهما ثم، يصف الولد الصالح بأنه أشرك مع اللّه غيره؟
  قيل له: إنه أراد بقولهما: {لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً} ولدا صالحا: صحيحا، قوى
(١) تتمة الآية السابقة: ١٩٠.
(٢) د: الكلام.