الفصل الثاني متشابه القرآن
  ولهذا قام بتأويل الآيات التي تخالف بظاهرها أدلة التوحيد والعدل، فأولها على أصول العربية بما يطابق هذه الأدلة، أو - بعبارة أخرى - بما يطابق شواهد العقل.
  وقد بنى القاضي عمله هذا على أصل مهم قدم القول فيه في مستهل كتابه، ودافع عنه وأقام الدليل عليه. ونحن نوجز القول في بيان هذا الأصل، كما أوضحه القاضي هنا وفي سائر كتبه، إيضاحا لمنهجه في هذا الكتاب.
  ١ - دليل العقل: يتلخص هذا الأصل في وجوب معرفة اللّه تعالى بدليل العقل - أولا - وأنه تعالى حكيم لا يختار فعل القبيح، لأن هذه المعرفة يمكن معها القول إنه تعالى صادق في إخباره وكلامه، وأنه لا يجرى المعجز على الكذابين ... الخ وبالتالي يمكن الاستدلال بالقرآن على ما يدل عليه.
  ولذلك لا يمكن الاستدلال بالقرآن على إثباته تعالى وإثبات حكمته؛ لأن ذلك موقوف على العلم بصحته، وصحته لا تعلم إلا بعد العلم بحال فاعله، فيؤدى ذلك إلى أن القرآن لا يدل عليه تعالى إلا بعد المعرفة به، ومتى عرف استغنى عن الدلالة عليه(١).
  ويمضى القاضي في بيان هذا الأصل وشرحه، ودفع الاعتراضات عنه بما يغنى عن إعادته. وقد قدمه على جميع المسائل التي أوردها في مقدمة كتابه، حتى إذا شرع في المسألة الثانية المتصلة بمزية المحكم على المتشابه جعلهما بمنزلة واحدة من حيث إن الاستدلال بهما أجمع لا يمكن إلا بعد معرفة حكمة الفاعل،
(١) انظر الفقرة الأولى من كتاب القاضي.