[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  حيث حل محله في أنه لا ينتفع بما يسمع ويبصر فيتفكر فيه، ويعقل(١)، وإن كان أهل اللغة إذا ذكروا البيان وأوضحوا الحجة فعدل المخاطب عن معرفته قالوا فيه: إنه بهيمة وهو حمار مطبوع على قلبه لا يعقل ولا يبصر رشده(٢)، حتى إنهم يقولون فيه إذا تجاوز هذا الوصف هو ميت جماد، وقد قال أبو الهذيل(٣) |: إنهم لشدّة تمسكهم بالكفر صاروا كأنهم منعوا أنفسهم من الانتفاع بما يسمعون ويبصرون ويعقلون، فقيل فيهم ذلك، كما قيل في المثل: حبك الشيء يعمى ويصم، من حيث يصرف عن طريقة الرشاد.
  ٢٧٩ - وقوله: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ} من أقوى ما يدل على مذهبنا في اللطف، لأنه بين تعالى أنه لو علم فيهم قبولا لأسمعهم ما اقترحوا من الآيات؛ لأنهم اقترحوا ذلك، وقد أظهر اللّه المعجز فقال مبينا بأنه لو كان في المعلوم أنهم يؤمنون عنده لأسمعهم، لكنه قد علم أنهم وإن سمعوه يتولون ويعرضون فلا يقبلون.
  ٢٨٠ - وأما قوله تعالى من بعد: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}(٤) فلا يصح أن يتعلق به المجبرة في أنه تعالى يمنع من الإيمان؛ لأن ظاهره يقتضى أنه يحول بين المرء وقلبه لا بينه وبين أفعال قلبه، ولأنه لو أراد الحيلولة في الحقيقة لم يكن فيه فائدة؛ لأن بيننا وبين القلب حائلا، ولذلك لا نراه كما لا نرى المستور المحجوب، فلا ظاهر للقوم!
(١) انظر الفقرتين: ١٨، ٢٥٩.
(٢) ف: في شدة.
(٣) هو أبو الهذيل العلاف: محمد بن الهذيل بن عبيد اللّه بن مكحول العبدي، من شيوخ المعتزلة. أخذ الكلام عن عثمان الطويل صاحب واصل بن عطاء، وبرع في الجدال وقطع الخصوم. وقيل إنه توفى في أول أيام المتوكل سنة خمس وثلاثين ومائتين، عن مائة سنة.
انظر طبقات المعتزلة، ص ٤٤ أمالي المرتضى ١/ ١٧٨.
(٤) من الآية ٢٤، والآية بتمامها: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.