[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[٥١] من أقوى ما يدل على أن المرء يؤخذ بذنبه، وأنه تعالى لا يخلق فيه المعصية، فنزه نفسه عن أن يكون ظالما، ولو كان هو الذي أدخله في الذنب لوجب أن لا يكون ما فعل بهم بما قدمت أيديهم، وأن يكون(١) ظلّاما حتى لا يستحق هذه المبالغة إلا هو، من حيث لا يقع الظلم إلا منه. وقد بينا من قبل ذلك مشروحا.
  ٢٨٤ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه المؤلف للقلوب والموفق بينها، بأن جعل فيها الأمور التي تشترك فيه من الإيمان والولاية، فقال:
  {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ٦٢ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}(٢).
  والجواب عن ذلك: أنا قد بينا أنه تعالى هو الفاعل للنصر، والمؤيد له ﷺ بالملائكة وغيرها(٣). فأما ظاهر قوله: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} فلا(٤) يقتضى أنه فعل الإيمان وسائر ما يشتركون فيه؛ لأنه لا شيء من ذلك إلا وقد يكون معه الألفة وتثبت عنده العداوة.
  وبعد، فإن التأليف بين القلوب حقيقة أن ينضم بعضها إلى بعض. وذلك مما لا يصح أن يكون مرادا.
  وبعد، فإن الظاهر يقتضى أنه ألف بين قلوبهم، والتأليف إنما يكون فيما يرجع إلى الفاعلين بينهم لا بين قلوبهم، ومتى ذكر القلب في ذلك فهو مجاز!
  والمراد بذلك: أنه تعالى أزال ما كان من العداوة بين الكفار(٥) أو يقال
(١) د: يكونوا.
(٢) من الآيتين: ٦٢ - ٦٣.
(٣) انظر الفقرتين: ٩٨، ١٢٢.
(٤) ساقطة من ف.
(٥) أي: بعد أن اختاروا الإسلام.