متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

من سورة براءة

صفحة 326 - الجزء 1

من سورة براءة

  ٢٨٦ - دلالة: وقوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ...}⁣[٣٢] يدل على أنه لا يجب أن يريد ما أراده العاصي من جهات:

  منها: أنه تعالى بين أنه تعالى يأبى ذلك، والإباء هو الامتناع إذا كان متعلقا بفعله، والمنع إذا كان في فعل غيره، ولا يجوز أن يكون مريدا للشيء وممتنعا منه أو مانعا؛ لأن الإرادة قد تدعو إلى الفعل، فلا يجوز معها أن يمتنع منه، أو يقتضى في الغير الترغيب في الفعل، فلا يجوز معها أن يمنعه، فإذا خبر تعالى بأنه أبى ذلك فقد دل على أنه لم يرده⁣(⁣١).

  فإن قال: إنما قال تعالى: إنه يأبى إلا أن يتم نوره، ولم يذكر أنه يأبى ما أرادوه من إطفاء النور، فلا يصح ما ذكرتم.

  قيل له: إن الكلام لا بد من أن يحمل على ما قلناه، لكي يفيد، وذلك أنه لو لم يرد بقوله {وَيَأْبَى} ما تقدم ذكره من إطفاء النور لم يكن لقوله تعالى:

  {إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} معنى، فكأنه ذكر أنه يأبى في النور إلا تمامه، والإطفاء⁣(⁣٢) فيه غير الإتمام، فيجب دخوله تحت الإباء لا محالة!

  ومنها: أنه لو كان يريد ما أرادوه لنفذت إرادته تعالى على قولهم لا محالة؛ لأنه لا يجوز أن يريد أمرا من غيره فلا يكون عند القوم، ولو كان كذلك لم


(١) في النسختين: لم يرده ما أراده، ولعل الصواب كذلك: لم يرد ما أرادوه.

وانظر فيما مضى الفقرة: ٢٨ مع التعليق.

(٢) ف: والإطغار.