[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  الذين كفروا يضلون به، وهذا مما لا نأباه، لأن الكفار قد يضلون غيرهم بكفرهم وبالزيادة في كفرهم.
  فإذا قرئ: {يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} فالكلام أبين، لأنه إنما يدل على أن الكفار يضلون به، من غير بيان إضافة الإضلال إلى غيرهم، فلا ظاهر للكلام يقتضى ما قالوه.
  «والمراد بذلك ما كانوا يشتغلون به(١) في باب الحج من تأخير شهر لشهر في توالى السنين، وهو النسيء الذي جعله تعالى زيادة في الكفر، وبين أن ذلك مما يضل به الكفار ويضلون به غيرهم، من حيث يحلونه عاما ويحرمونه عاما؛ لأن إقدامهم على ذلك مع الرد على الرسول #، من حيث كان يدعوهم إلى خلافه، كفر لا محالة؛ لأنه لا يجوز أن يصفه تعالى بأنه زيادة في الكفر، وليس بكفر، لأن الزيادة في الشيء يجب أن تشاركه في اسمه ومعناه، حتى تكون زيادة فيه، ولذلك لا يقال في المباح والطاعة إنهما زيادة في الكفر، ولا يقال في المعصية التي ليست بكفر: «إنها زيادة في الكفر،(٢) وإنما يقال فيها: إنها زيادة في معاصيه.
  وهذه الآية تدل على أن في أفعال الجوارح ما يكون كفرا، لأن النسيء - على ما ذكرناه - من أفعال الجوارح، وقد جعله تعالى كفرا، فإذا صح ذلك لم يمتنع في تركه الواقع بالجوارح أن يكون إيمانا.
  وقوله من بعد: {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ}(٣) فقد بينا القول في مثله، وأنه لا ظاهر له(٤).
(١) في د: «فالمراد بذلك أن ما كانوا يستعلون به.
(٢) ساقط من ف.
(٣) من تتمة الآية السابقة.
(٤) انظر الفقرة ٤٥، ٧١.