متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 331 - الجزء 1

  إلا وهم يستطيعون؛ لأنهم لو لم يستطيعوا ذلك كما ذكروا لكانوا صادقين، وهذا يدل على أن المنافقين المتخلفين عن رسول اللّه في الجهاد كانوا يستطيعون الخروج معه وإن لم يخرجوا، وفي ذلك دلالة على أن العبد، يستطيع⁣(⁣١) ما لا يفعل، ويقدر على الشيء قبل أن يفعل.

  فإن قيل: إنه تعالى لم يقل: وإنهم لكاذبون في هذا الخبر، فلا يصح ما اعتمدتموه.

  قيل له: إن الكلام على هذا الحد دل على أنهم كذبوا فيما حكى عنهم من الخبر، وإلا لم يفد، ولم يكن لآخر الكلام بأوله تعلق، ولو أن أحدنا قال:

  إن زيدا يقول كيت وكيت واللّه يعلم إنه كاذب، لم يجوز أحد ممن⁣(⁣٢) يعرف اللغة أنه كذبه في غير الخبر الذي حكاه عنه، وكذا لو قيل: إن زيدا ضرب عمرا واللّه يعلم إنه ظالم، لم يحمل ذلك إلا على ما تقدم، وهذا أوضح في الكلام من أن يقع فيه شبهة.

  ومن وجه آخر تدل الآية على ما نقول، وذلك لأنه تعالى حكى نفس مقالة المجبرة في أنهم لو قدروا على الشيء لفعلوه، على طريقتهم: أن القدرة مع الفعل، ومحال وجودها ولا فعل⁣(⁣٣)، فبين اللّه تعالى أن القوم استطاعوا ولم يخرجوا، وذلك يدل على ما قلناه.

  فإن قال: إنما استطاعوا أمرا سوى الخروج، فلا يدل الظاهر على ما قلتم.


(١) في د. لا ما يستطيع.

(٢) د. من.

(٣) انظر الفقرة: ١٣ والفقرة ٢٤ مع التعليق.