[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  وهذا يبطل قول من قال في أهل الكبائر: إن اللّه يجوز أن يغفر لهم من غير توبة، فكأنه قسم من أقدم على المعاصي مع صالح عمله قسمين، فبين في أحدهما أنه من أهل الجنة لا محالة، من حيث تاب واعترف بالذنب، وبين في الآخر - لما لم يفعل ذلك - أن أمرهم مترقب، فإما أن تقع التوبة منهم فيتوب عليهم، أو يعذبهم إن لم يفعلوا ذلك، وهذا صريح قولنا!
  ٣٠٤ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أن من هداه لن يضله بعده، وذلك يدل على أن الضلال هو الكفر، والهدى هو الإيمان إذا أتى بهما المرء، فقال: {وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ}[١١٥].
  والجواب عن ذلك: أنا قد بينا في الضلال والهدى ما فيه مقنع في جميع ما يرد من ذكرهما في الكتاب(١)، وإنما نحوج إلى ذكر تأويله، فأما إبطال تعلق القوم بظاهره فقد سلف ذكره.
  والمراد بهذه الآية: أنه تعالى لا يضل قوما بالهلاك والأخذ بهم عن طريق الجنة بعد إذ هداهم فاهتدوا، لأن ذلك مضمر في الكلام، من حيث لا يستحقون(٢) نفى هذا الضلال عنهم إلا بأن يهتدوا.
  وقوله: {حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ} يدل على ما قلناه، لأنه في التقدير كأنه(٣) قال: لا يضلهم بالعقوبة إلا بعد إزاحة العلة من جميع الجهات، بأن يبين لهم ما يتقون من القبائح ويعزمون عليه من الطاعات.
  ويمكن أن يحمل الكلام على أنه لم يكن ليضلهم بالعقوبة إلا بعد البيان
(١) انظر الفقرة: ١٢.
(٢) د: لا يستحق.
(٣) ساقطة من ف.