[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  ٣٠٧ - مسألة: قالوا ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يصرف عن الإيمان، فقال تعالى: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ}(١).
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره يقتضى أنه صرف نفس قلوبهم، وليس فيه أنه صرفهم عن إيمان أو غيره من الأفعال، فلا ظاهر للقوم يتعلقون به، ومتى ادعوا في الكلام أمرا محذوفا فقد تعدوا التعلق بالظاهر ودخلوا تحت التأويل؛ يبين ذلك أنه ذكر أن بعضهم نظر إلى بعض، فقال: {وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} فظاهره يقتضى انصرافهم في الحقيقة بعد التلاقى. وإذا قيل بعده: {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ولم يتقدم للكفر ذكر، فحمله عليه لا يجوز في الكلام.
  وبعد: فإنه لو راد بذلك الكفر والمنع من الإيمان لما جاز أن يجعله كالجزاء على انصرافهم، لأن انصرافهم هو الكفر، فلو جعل الجزاء عليه كفرا آخر لوجب في الثالث أن يجعله مثله جزاء على الثاني. وهذا يوجب ما قدمناه من أن فعله تعالى فيه وعقابه؛ من حيث كان جزاء، وفعل العبد من حيث جوزي وعوقب عليه.
  وبعد، فإن الكلام يوجب أنه تعالى إنما صرف قلوبهم إذا انصرفوا، وعند القوم أنه المبتدئ بالكفر [وأن] اللّه صرف قلبه وإن لم ينصرف، وكذلك المرتد بعد إيمان، فلا يجوز أن يحمل إلا على أن المراد به: فلما انصرفوا
(١) من الآية: ١٢٧.