متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

من سورة يونس #

صفحة 351 - الجزء 1

من سورة يونس #

  ٣٠٨ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى فيها ما يدل على أنه جسم يجوز عليه الاستواء والمكان، فقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ}⁣[٣].

  والجواب عن ذلك قد تقدم: لأنا قد بينا أن المراد بالاستواء هو الاستيلاء والاقتدار، وبينا شواهد ذلك في اللغة والشعر⁣(⁣١) وبينا أن القول إذا احتمل هذا والاستواء الذي هو بمعنى الانتصاب، وجب حمله عليه⁣(⁣٢)، لأن العقل قد اقتضاه، من حيث دل على أنه تعالى قديم، ولو كان جسما يجوز عليه الأماكن لكان محدثا، تعالى اللّه عن ذلك، لأن الأجسام لا بد من أن يلزمها دلالة الحدث، وهي أيضا لا تنفك من الحوادث ولا تخلو منها.

  فإن قالوا: لو أراد الاستيلاء لم يجز أن يدخل فيه {ثُمَّ} لأنها تدل على الاستقبال، وذلك لا يصح إلا فيما ذكرناه من الاستواء، دون الاقتدار.

  قيل له: إن {ثُمَّ} وإن وليها ذكر الاستواء فإنما دخلت على التدبير المذكور، واللّه تعالى يدبر الأمر في المستقبل، وهذا كقوله: {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ}⁣(⁣٣) فدخلت {حَتَّى} في الظاهر على العلم وأريد بها الدخول في الجهاد الذي يقع مستقبلا، والكلام⁣(⁣٤) على ذلك، لأن الفصيح إذ قال: ثم استقر زيد في الدار يدبر أحوالها، فالمراد بذلك أن تدبيره


(١) انظر الفقرة: ٢٣.

(٢) ساقطة من د.

(٣) من الآية: ٣١ في سورة محمد ().

(٤) د: والكلام يدل