متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 356 - الجزء 1

  بالمعاد، وبين أنه لو عاجلهم بالعقوبة لقضى إليهم أجلهم⁣(⁣١) فكان الموت يرد عليهم عند إنزال العقوبة، من حيث لا تحتمل أبنيتهم العذاب الشديد الذي يفعل بهم في الآخرة وتحتمله أبدانهم [فيها] لأنه تعالى يصلّبها ويقويها ويعظمها، أو يريد بذلك أنه كان يزول التكليف عنهم بورود العذاب بحصول الإلجاء عنده إلى الطاعة، فينقضى أجل التكليف عنهم.

  ثم قال ما يدل على أنه أمهلهم، ليستدركوا ويتوبوا فقال: {فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا} يريد أنه «يمد لهم⁣(⁣٢) في العمر ويخلى بينهم وبين التكليف، ليكون قد أعذر وأقام الحجة.

  ثم قال ما يدل على أنه قد علم أنهم يتسترون على اللّه، فقال: {فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ} وليس في ذلك دلالة على أنه تعالى جعلهم كذلك، ولم يضف إلى نفسه إلا تخليته بينهم وبين التكليف، فهذا من فعله تعالى لا محالة، وقد يقال فيمن يقدر على منع الغير مما هو فيه، إذا هو خلاه ولم يمنعه، إنه تركه في ذلك الأمر، وهذا ما يجوز عليه تعالى، لأنه أراد منهم العدول عن العمة والكفر على وجه الاختيار لا على وجه الإلجاء.

  ٣١٦ - فأما قوله تعالى: {كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ}⁣(⁣٣) فقد بينا في نظيره أنه لا ظاهر له⁣(⁣٤)، ويجب أن يكون المراد أن شياطين الإنس والجن زينوا للمسرفين على أنفسهم في الإقدام على المعاصي، ما هم عليه من تعجيل الشهوات والعدول عن طريقة الآخرة.


(١) قال تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ ...} الخ - الآية ١١.

(٢) د: يهديهم.

(٣) من الآية: ١٢.

(٤) انظر الفقرتين ٦٦، ٤٥.