متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

الفصل الثاني متشابه القرآن

صفحة 43 - الجزء 1

  ٢ - ويجد في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} في آية الصوم، ما يدل على أنه تعالى لا يريد بالعباد الكفر وأن يعذبهم في الآخرة؛ لأنه تعالى «إذا امتن علينا بأنه لا يريد بنا العسر الذي هو عمل المشقة بالصوم، رحمة بنا ورأفة، فكيف يجوز أن نتصور أنه يريد مع ذلك بالعبد أن يكفر ويخلد بين أطباق النيران؟. ولو أن أحدنا أقبل على ولده، فقال: لا أريد منك مع إشفاقى عليك أن تنصرف في أيام القيظ، لم يجز أن يتصور مع ذلك أنه يريد أن يعذبه بالنار. وهذا مما يأباه العقل»⁣(⁣١).

  ٣ - ويؤكد في موضع آخر، عند الكلام على أن مرتكب الكبيرة إذا تاب لا يعاقب بالخلود في النار، على أن ما دل العقل على اشتراطه هو في حكم المتصل بالقول، لأنه تعالى لا يجوز أن يعاقب من بذل مجهوده في تلافى ما كان منه، فإذا كان قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها} دالا على مذهب المعتزلة أن من فعل ذلك من أهل الصلاة يخلد في النار، فقد قال القاضي: ما لم يتب، لأن اشتراط التوبة معلوم بالعقل، «وما دل العقل الصحيح على اشتراطه هو في حكم المتصل بالقول، وإن كان تعالى قد بين كونه شرط في مواضع».⁣(⁣٢)

  ٤ - ومما يستدل به القاضي على فساد قول المجبرة قوله تعالى: {فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ} فلم يتعلق هؤلاء الذين رأوا العذاب إلا بهذا القول، ولو كان الأمر كما تقوله المجبرة لكان الأولى أن يقولوا إنك أوقعتنا في الظلم، أو منعتنا من الإيمان بسلب القدرة عليه ... الخ ...


(١) المصدر السابق. ص: ١١٨.

(٢) المصدر السابق. ص: ١٧٩.