[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  لحمل(١) على أنه أراد الضلال منهم، وذلك لا يصح عقلا وسمعا، لأنه تعالى قد دعاهم إلى خلاف الضلال، وبعث الأنبياء ليدعوهم إلى خلافه، وقد قال تعالى:
  {وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}(٢) فبين أنه أراد منهم خلاف الضلال، وقال لموسى وهارون:
  {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى} فبين أنه لا يريد منهم إلا التذكر والخشية، وذلك لا يطابق إرادته الضلال منهم، بل يناقض ذلك وينافيه.
  قال |: ولئن جاز أن يعطيهم الزينة والأموال لكي يضلوا، ليجوزن أن يبعث إليهم الأنبياء ليدعوهم إلى الضلال، وذلك يوجب زوال الثقة بالكتاب والسنة والدلائل والنبوات!
  وقد قيل: إن المراد به الإنكار لأن يعطيهم الأموال في الدنيا لكي يضلوا، لأنه لا يمتنع أن يكون القوم مجبرة ينسبون الضلال إليه تعالى وإلى أنه واقع بإرادته، فقال موسى منكرا لذلك: {رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ}! بمعنى أنك لم تفعل يا رب ما فعلته من الإنعام لكي يضلوا! وهذا كما يقول أحدنا لولده عند العتب واللوم: قد أعطيتك الأموال وأديتك وعلمتك لكي تعصينى، على طريق الزجر عن معصيته.
  وقد قيل: إن المراد به الاستفهام وإن حذف حرف الاستفهام عنه، لما في الكلام من الدلالة عليه، فكأنه # قال(٣): يا رب أعطيتهم الأموال والزينة والأحوال في الدنيا ليضلوا عن سبيلك؟ وأراد به نفى أن يكون فعل
(١) د: حمله.
(٢) سورة الأعراف: ١٣٠.
(٣) د: كان قال.