متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 368 - الجزء 1

  لحمل⁣(⁣١) على أنه أراد الضلال منهم، وذلك لا يصح عقلا وسمعا، لأنه تعالى قد دعاهم إلى خلاف الضلال، وبعث الأنبياء ليدعوهم إلى خلافه، وقد قال تعالى:

  {وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}⁣(⁣٢) فبين أنه أراد منهم خلاف الضلال، وقال لموسى وهارون:

  {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى} فبين أنه لا يريد منهم إلا التذكر والخشية، وذلك لا يطابق إرادته الضلال منهم، بل يناقض ذلك وينافيه.

  قال |: ولئن جاز أن يعطيهم الزينة والأموال لكي يضلوا، ليجوزن أن يبعث إليهم الأنبياء ليدعوهم إلى الضلال، وذلك يوجب زوال الثقة بالكتاب والسنة والدلائل والنبوات!

  وقد قيل: إن المراد به الإنكار لأن يعطيهم الأموال في الدنيا لكي يضلوا، لأنه لا يمتنع أن يكون القوم مجبرة ينسبون الضلال إليه تعالى وإلى أنه واقع بإرادته، فقال موسى منكرا لذلك: {رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ}! بمعنى أنك لم تفعل يا رب ما فعلته من الإنعام لكي يضلوا! وهذا كما يقول أحدنا لولده عند العتب واللوم: قد أعطيتك الأموال وأديتك وعلمتك لكي تعصينى، على طريق الزجر عن معصيته.

  وقد قيل: إن المراد به الاستفهام وإن حذف حرف الاستفهام عنه، لما في الكلام من الدلالة عليه، فكأنه # قال⁣(⁣٣): يا رب أعطيتهم الأموال والزينة والأحوال في الدنيا ليضلوا عن سبيلك؟ وأراد به نفى أن يكون فعل


(١) د: حمله.

(٢) سورة الأعراف: ١٣٠.

(٣) د: كان قال.