متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 370 - الجزء 1

  في حكم فعل غيره، ولذلك قلنا: إن ندم أهل النار لا يكون توبة ولا ينفع، لما وقع منهم على جهة الإلجاء، وإذا أعلمهم تعالى أنهم إن حاولوا القبيح منعهم منه لم يستحقوا على ذلك مدحا. كما أن أحدنا إذا علم أنه إن قصد ظالما بالقتل وغيره لمنع منه، لم يمدح على امتناعه.

  وليس في ذلك دلالة على أن الإيمان لو وقع منهم اختيارا لم ينفعهم، بل في ظاهر الكلام دلالة عليه، وهو قوله: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} فبين أن لهذه الحال تأثيرا في أن لا ينفعه ما أظهره، ولو كانت الأحوال متساوية لم يكن لهذا القول معنى. وفي الآية دلالة على العدل، لأنه تعالى إن كان يخلق الإيمان في الكل فلم تختلف أحوال المختار والملجأ، وهما بمنزلة سواء في أنه تعالى خلق الإيمان فيهما؟

  وبعد، فإن كان الإلجاء يمنع من الانتفاع بالإيمان فبأن يمتنع كونه ضرورة من خلقه تعالى أولى، فلو كان الأمر كما يقولون لوجب أن يكون المختار أسوأ حالا من الملجأ؛ لأنه قد أوجد فيه الإيمان وقدرته وإرادته، ومنع من قدرة الكفر، حتى لا يمكنه الانفكاك، والملجأ قد يصح منه خلاف ما ألجئ إليه على بعض الوجوه. وكل ذلك يبين أن العبد قادر فاعل، فلذلك اختلفت الأحوال.

  ٣٣٢ - مسألة: قالوا ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه قد فعل ما يمنع به الكافر من الإيمان، فقال {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ}⁣(⁣١) {رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ...}⁣[٩٦]

  والجواب عن ذلك قد تقدم؛ لأنا قد بينا أن ظاهره أن كلمته تعالى الدالة


(١) في د: كلمات.