[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  والاستطاعة على كل حال، فتعلقهم بالظاهر لا يصح، وإنما كان يصح ذلك لو نفيت الاستطاعة عما يصح أن يقدر عليه العبد(١) ويفعله.
  وبعد، «فإنهم قد ذموا بأن وصفوا(٢) بأنهم لا يستطيعون السمع، ولو أريد به نفى الاستطاعة لم يستحقوا الذم بذلك؛ لأن أحدنا لا يذم على أن لم يخلق فيه القدرة والحياة، وإنما يذم على أفعاله، فإذن يجب أن يكون المراد بالآية أنهم كانوا يستثقلون الاستماع إلى ما يرد عليهم من الحجج والأدلة، ويقل اكتراثهم به وقبولهم له. وهذا ظاهر في الشاهد؛ لأن المعرض عن سماع كلامنا المستثقل له قد يقال فيه: إنك لا تستطيع أن تسمع الحق، ولا أن تقبله. ومتى حمل على هذا صح جعله ذما لهم، على ما قد بيناه.
  وقوله تعالى: {وَما كانُوا يُبْصِرُونَ} مع علمنا من حالهم بأنهم كانوا يرون، يدل على ما قلناه؛ لأن المراد بذلك أنهم في حكم من لا يبصر، من حيث لم ينتفع بما يرى ويسمع، على ما بيناه في شواهده من قبل.
  ٣٤٢ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يخلق الغى والفساد والكفر، فقال: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ}(٣).
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره لا يدل على أنه تعالى قد فعل الغواية، وإنما يدل على أن نصحه لا ينفع إن كان تعالى يريد ذلك، وهل يريده ويفعله أم لا؟ لا يتناول من الظاهر ولا يدل عليه، فالتعلق به بعيد!
(١) ساقطة من د.
(٢) ف: فإنهم قد وصفوا.
(٣) الآية: ٣٤، وتتمتها: {هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.