متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

الفصل الثاني متشابه القرآن

صفحة 45 - الجزء 1

  والواقع أن اللغة لم تكن لتسعف القاضي في تأويلاته لو أنه كان ينطلق في ذلك على منهج باطل، فعل الباطنية مثلا، ومن هنا يمكن الحكم على منهج القاضي في المتشابه وفي التأويل، كما يمكننا أن نرجح تسمية تأويله بالتأويل العقلي - دون التأويل اللغوي⁣(⁣١) - لأن اللغة لا تعدو أن تكون أداة لهذا التأويل في نهاية المطاف، وإن كان لا يمتنع أن نقول إن القاضي وسائر المعتزلة يعتمدون في تأويلهم لكتاب اللّه على شيئين رئيسيين: هما العقل واللغة⁣(⁣٢).

من شواهد الاعتماد على اللغة:

  ونكتفي في بيان هذا الاعتماد على اللغة - والذي تكاد تخلو منه


(١) سمى جولد زيهر منهج المعتزلة في التأويل بالمنهج اللغوي! وقد تناولنا هذه النقطة في البحث الذي نعده عن منهج المعتزلة في التفسير. والذي تناولنا فيه جميع قواعد هذا المنهج في التفسير والتأويل.

(٢) من طريف ما يدل على هذا المنهج المقلى لدى المعتزلة ما أجاب به جعفر بن مبشر - أبو محمد الثقفي من رجال الطبقة السابعة - الخياط حين سأله عن قوله تعالى: {يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ} وعن الختم والطبع. فقال: (أنا مبادر إلى حاجة. ولكني ألقى إليك جملة تعمل عليها: اعلم أنه لا يجوز على أحكم الحاكمين أن يأمر بمكرمة ثم يحول دونها.

ولا أن ينهى عن قاذورة ثم يدخل فيها. وتأول الآيات بعد هذا كيف شئت) طبقات المعتزلة. ص: ٧٦.

أما تمكن المعتزلة من لسان العرب ولغتها، مما أعانهم على تأويلاتهم العقلية، فأشهر من أن يتحدث عنه، وبحسبهم العلاف والنظام والجاحظ، والجبائيان، وشهادة علماء اللغة، قال المبرد: (ما رأيت أفصح من أبى الهذيل والجاحظ، وكان أبو الهذيل أحسن مناظرة، شهدته في مجلس وقد استشهد في جملة كلامه بثلاثمائة بيت). طبقات منزلة ص: ٤٥ وقال ثمامة:

(وصفت أبا الهذيل للمأمون فلما دخل عليه جعل المأمون يقول لي: يا أبا معن وأبو الهذيل يقول لي يا ثمامة. فكدت أتقد غيظا. فلما احتفل المجلس استشهد في عرض كلامه بسبعمائة بيت، فقلت: إن شئت فكننى وإن شئت فسمنى!). المصدر السابق، ص: ٤٦. وانظر الفصل الذي عقده الحاكم لذكر (من ذهب إلى العدل من الشعراء وأئمة اللغة) والذي قال في أوله: (أكثر نحاة البصرة، وكثير من أهل اللغة. وجملة من الشعراء وأئمة الأدب يذهبون مذهب العدل) شرح عيون المسائل. المجلد الأول. ورقة ١٦٣ - ١٦٦.