[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  وقوله تعالى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} إنما يصح على قولنا؛ لأن تخصيص بعض العباد بالتوكل عليه دون بعض يقتضى أنه قادر على اختيار سلوك الطريقة المستقيمة، والعدول عن ترك الرضا بما قسم له، وعلى قولهم حال جميع العباد سواء في أنهم قد فعل فيهم ما هم عليه، ويجب على قولهم أن يرضوا بما أعطوا دينا ودنيا من كفر وإيمان، وغنى وفقر، فلا يصح التخصيص في باب التوكل.
  وكل ذلك يقتضى التعجب من تعلقهم بهذه الآية، وحالها في باب الدلالة على العدل ما ذكرناه.
  ٣٤٦ - مسألة: قالوا ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه يجعل الشقي شقيا والسعيد سعيدا، وعلى أن الشقي في النار إلى وقت وغاية ثم يخرج منها، فقال:
  {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ١٠٥ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ١٠٦ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ}(١)
  والجواب عن ذلك: أنه تعالى وصف بأن فيهم شقيا وسعيدا، ولم يذكر أن الذي جعلهم كذلك هو اللّه، فلا ظاهر للقوم من هذا الوجه.
  وعندنا أن منهم شقيا ومنهم سعيدا بما اختاروه، مما أوجب فيهم الشقاء والسعادة فلا خلاف في وصفهم بذلك، وإنما الكلام في من الفاعل له؟
  ولو كان تعالى قد فعله لم يذمهم بذلك، ولما أوجب فيهم النار، وقد بينا القول في ذلك!
(١) الآيات ١٠٥ - ١٠٧، وتتمة الأخيرة {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ}.