[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره إضافة الهمّ إليهما، وليس فيه أنه تعالى فعله فيهما(١) فلا تعلق للمجبرة بذلك.
  وبعد، فإنه ليس في ظاهره إضافة الهم إليهما مطلقا: لأنه قال: {لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ} فكان تحقيق الكلام: أنه لولا رؤيته البرهان لقد همت به وهم بها، كما يقول القائل: فلان ضرب غلامه ضربا شديدا لولا أنى استنقذته من يده! فمن أين أنه هم في الحقيقة بذلك، مع ما ذكرناه من الشرط في الكلام؟
  يبين ذلك أنه تعالى وصفه بأنه صرف عنه السوء والفحشاء، ولو كان همّ في الحقيقة كما يقولون بأن عزم على مواقعتها وأظهر ذلك واجتمع معها، لكان ذلك من الفحش العظيم، فكان لا يصح وصفه بأنه قد صرف عنه الفحشاء!
  وقد قال أبو علي ¥: المراد بالآية أنه اشتهى ما دعته إليه، كما اشتهت ما أرادته منه، وقد تسمى الشهوة هما، ولذلك يقول القائل في الذي يشتهيه إن هذا من همى، كما يقوله فيما يريده ويعزم عليه، فيجب حمل الكلام على الشهوة تنزيها للأنبياء عن الفاحشة. ودل على أنه المراد بقوله: {كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ}.
  وسائر ما ذكره تعالى من تنزيهه يوسف # في السورة، يدل على ما قلناه، لأنه تعالى وصفه بأنه يجتبيه، وهذه صفة من لا يعزم على الفواحش.
  ووصفه بأنه من عباده المخلصين، وذلك أيضا لا يليق به الإقدام على العزم على الزنا(٢).
  وخبر عن النسوة أنهن قلن: حاش للّه ما علمنا عليه من سوء، ولو كان قد عزم وقعد مقعد الزنا لم يصح ذلك.
(١) ساقطة من د.
(٢) في د: الرؤيا.