متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 394 - الجزء 1

  ٣٥٦ - مسألة: قالوا ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أن الأمور الواقعة من العباد، بقضاء منه وحتم، فقال: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ}⁣(⁣١).

  والجواب عن ذلك: أنه صلّى اللّه عليه إنما قال ذلك لما تأول ما رأياه في المنام، لأنه روى أن الذي تأول منامه على أنه سيصلب فتأكل الطير من رأسه، أظهر تكذيب نفسه ظنا منه بأن ذلك يعصمه من نزول ذلك فيه، فقال مؤيسا له من هذا: قضى الأمر الذي فيه تستفتيان.

  ويحتمل أن يريد أنه لما أخبر عن هذا الأمر - وإخبار الأنبياء لا يكون إلا صدقا - قال لهما: قضى الأمر الذي فيه تستفتيان، تحقيقا لصدقه فيما خبر؛ لأن القضاء قد يكون بمعنى الخبر، كقوله تعالى: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ}⁣(⁣٢) فالتعلق بذلك بعيد.

  ٣٥٧ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يوقع المعصية تارة ويرحم العبد في إزالتها عنه أخرى، فقال: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي}⁣[٥٣].

  والجواب عن ذلك: أن الآية قوية في الدلالة على إضافة السوء إلى العباد، دونه تعالى؛ لأنه تعالى لو فعله فيهم لم يضف إلى الأنفس، وظاهره أيضا يقتضى أن النفس أمارة بالسوء لا أنها فاعلة له، فالتعلق بظاهره لا يمكن.

  والمراد بالآية: وصف النفس بأنها تدعو إلى السوء للشهوة الحاصلة التي تقتضى التوقان إلى المعصية.

  وقوله: {إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي} بأن يلطف ويعصم من الإقدام على ما تشتهيه


(١) من الآية: ٤١، وانظر الآية بتمامها.

(٢) من الآية: ٤ في سورة الإسراء.