متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 396 - الجزء 1

  والجواب عن ذلك: أنا قد بينا أن الكيد يستحيل على اللّه تعالى، لأنه توصل إلى الأمور بضروب من الحيل، وذلك إنما يصح على من يمتنع عليه مراده في بعض الأحوال، ويتعالى اللّه عن ذلك، ولهذا قد يوصف أحدنا بالكيد إذا هو توصل إلى أمر، ولو فعله السلطان وهو مقتدر عليه وعلى غيره لم يوصف بذلك، فإذا لم يصح تعلقهم بالظاهر.

  والمراد بذلك: أنه تعالى فعل من الألطاف ليوسف ما أوجب وصوله إلى المراد فسماه كيدا، تشبيها بما يفعله العباد إذا هم توصلوا بضروب من الأفعال إلى مرادهم وإلى التحرز من المكروه المراد بهم. ولولا ما فعله تعالى به وسهل في أمر أخيه لم يكن ليجتمع مع أبيه ويحصل ما حصل، مما أراده اللّه تعالى وسهله.

  وقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ} يعنى: أنه لولا تلك الألطاف لم يحصل له في أخيه المراد، إلا أن يشاء اللّه، يعنى: أن يفعل ذلك على كل حال، لأنه قادر على ذلك، فالتعلق بما ذكره لا يصح.

  ٣٦٠ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أن الأمور تتم بمشيئته، وعلى أن السجود لغير اللّه يصح، فقال: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ٩٩ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً}⁣(⁣١).

  والجواب عن ذلك: أن إدخال المشيئة في الخبر عن المستقبل مما أدبنا اللّه به، تخليصا للكلام من الكذب، وإنقاذا له عن أن يكون خبرا جزما، لأن العبد


(١) الآية: ٩٩ ومن الآية: ١٠٠.