ومن سورة الرعد
  وهو المقدر له: كان من فعله أو من فعل العباد، فقال: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ}(١).
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره إنما يدل على أن كل شيء يعلم مقداره وما يختص به؛ لأن المراد بقوله: {عِنْدَهُ} في هذا المكان: في علمه، وصدر الكلام يدل عليه، لأنه قال تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ}(٢) ثم عطف على ذلك، فقال: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ} ليبين أن ما ذكره وما لم يذكره من الأمور سواء في أنه تعالى يعلم مقداره، وأن علمه لا يختص بمعلوم دون معلوم، فمن أين أن المراد بذلك ما قالوه، والظاهر لا يقتضيه؟
  وبعد، فلو أراد بذلك أنه قدره لوجب حمله على أنه بين أحواله؛ لأن «التقدير» في اللغة قد يتناول في الظاهر ذلك، فمن أين أن المراد به الخلق؟ ومتى حملنا الكلام على أن المراد به العلم والبيان وفينا العموم حقه؛ لأنا نجعله متناولا للمعدوم والموجود، والماضي والحاصل، ومتى حمل على ما قالوه وجب تخصيصه، وألا يتناول إلا الموجود، فالذي قلناه أولى بالظاهر.
  ٣٦٤ - مسألة: قالوا: ثم ذكر بعده ما يدل على أنه بغير أحوال الناس من طاعته إلى معصيته، ومن معصيته إلى طاعته، وأنه قد يريد بهم السوء، وأن ما يريده لا مرد له، ولا بد(٣) من وقوعه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ}(٤).
(١) من - الآية: ٨.
(٢) الآية: ٨.
(٣) ف: ولا بد له.
(٤) من - الآية: ١١.