متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الرعد

صفحة 407 - الجزء 2

  ٣٦٥ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه قد يفعل له السجود كرها كما يفعل طوعا، وأنه المصرف للعباد فيما يفعلون من الطاعة والمعصية، فقال: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ...}⁣[١٥].

  والجواب عن ذلك: أن ظاهره يقتضى أن العباد فيما يفعلون من السجود تختلف أحوالهم، ففيهم من يسجد طوعا، ومنهم من يسجد كرها، وقد علمنا أن الأمر بخلاف ذلك، لاتفاق حالهم فيما يفعلون من السجود.

  وبعد، فإن ذلك لا يتم على قول المجبرة؛ لأن عندهم أن السجود الواقع من العباد أجمع يقع بأن يفعل تعالى فيهم القدرة الموجبة له، ويخلق فيهم نفس السجود، وذلك يوجب أن حالهم لا يختلف فيه، فيكون الساجد مرة طائعا ومرة مكرها، فإذا استحال ذلك على قولهم، فكيف يصح تعلقهم بالظاهر؟

  فإن قيل: المكره على السجود هو من فعل ذلك فيه «بلا قدرة⁣(⁣١).

  قيل لهم: إن هذا يوجب أن يكون الجماد مكرها على ما فيه، وكذلك الميت! وأهل اللغة لا يطلقون ذلك إلا فيمن يتمكن من الأفعال، فيمنع منها أو يحمل عليها!

  والمراد بالآية: أنه تعالى، لاقتداره، يخضع له من في السماوات والأرض:

  ففيهم من يفعل الخضوع طوعا ويعترف به ويظهر الانقياد، ومنهم من يفعل ذلك بأن يستجيب فيما يريده فلا يصح منه الامتناع، مثل سائر الحيوان


(١) د: فلا بد من قدرة.