ومن سورة الرعد
  فلا يجوز أن تراد بعبارة واحدة فيدعى فيها العموم، فإذا بطل ذلك فلا بد من أن يراد به بعض الوجوه دون بعض، فإذا لم يكن الظاهر مبينا لذلك فلا بد من كونه مجملا محتاجا إلى بيان.
  والمراد بذلك: أو لم يعلم الذين آمنوا أنه لو شاء أن يكره العباد لهداهم جميعا على جهة الإكراه، لكنه إنما أراد أن يؤمنوا طوعا، لكي يستحقوا الثواب والنفع، وقد بينا القول في ذلك في مواضع(١).
  ٣٦٩ - مسألة: قالوا: ثم ذكر بعده ما يدل على أنه قد يبدو له في الأمور، وأنه قد يريد الشيء ثم يكرهه، فقال تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ}[٣٩].
  ويدل ذلك على أنه لا يفعل ما يفعله بحسب الصلاح، لأنه إن فعله بحسب الصلاح لم تتغير إرادته، مع كونه عالما بالمصالح(٢).
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره إنما يدل على أنه يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، وليس فيه أن الذي محاه هو الذي أثبته، وقد يجوز أن يكون
(١) انظر الفقرات: ٧٦، ١٩٢، ٢٠٥.
(٢) البداء هو الظهور، قال القاضي: «فمتى ظهر للحى من حال الشيء ما لم يكن ظاهرا له.
إما بأن يعلمه ولم يكن من قبل عالما به، أو بأن يظن وجه الصلاح فيه ولم يكن من قبل كذلك وصف بأنه قد بدا له. ثم استعمله الناس في تغير العزوم والإرادات، فقيل لمن لا يثبت على عزم واحد: إنه ذو بدوات، وقيل لمن يعد الشيء ولا يفعله مع سلامة الحال إنه قد بدا له».
وفي كتاب «الفرق» للبغدادي أن الكيسانية يجمعهم القول بجواز البداء على اللّه ø وقد حكم عليهم بالكفر لهذه البدعة. انظر المغنى: ١١/ ٢٥ الفرق بين الفرق. ص: ٣٨ وانظر في الفرق بين النسخ والبداء: شرح الأصول الخمسة، ص ٥٨٤ - ٥٨٥.