الفصل الثاني متشابه القرآن
  بما تقدم، لأن الأصم الأبكم قد يكون عاقلا، ومتى حمل على التشبيه كان له به تعلق، فيتسق المعنى، والنظم(١).
  ٢ - ومن شواهد الاعتماد على النظم والسياق كذلك في تأويلاته |، صرفه الأمر الوارد في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} إلى معنى التقرير والتقريع، لأن صدر الآية يبين أنه تعالى قد خص آدم بأن علمه الأسماء ليكون علمه بها معجزة له، فأراد أن يبين للملائكة أن هذا الاختصاص يوجب نبوته، قال القاضي: «فقررهم بقوله: {أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ} على ذلك، ونبه من حالهم على أنهم إذا لم يختصوا بما اختص به آدم مما فيه انتقاض عادة فيجب أن يكون نبيا، ولذلك حكى عنهم ما يدل على الانقياد، وهو قولهم: {قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا}.
  وكذلك ترجح الآية التالية صرف الأمر إلى التقرير، قال تعالى من بعد {قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ...} الآية؛ لأنه لو كان تكليفا لكان لا يتغير حاله بأن يخبرهم آدم # بالأسماء، ولم يكن لقوله تعالى عند ذلك {إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} معنى ... (٢)
  وهكذا يرد القاضي على من زعم أن في الآية دلالة على أن اللّه تعالى يكلف العبد ما لا يطيق، ويأمره بما يعلم أنه لا سبيل له إلى القيام به، لأن هذا مما يأباه العقل، ومما يفسد به نظم الآية بعد ذلك.
(١) انظر ص: ١١٥ - ١١٦.
(٢) انظر ص: ٨٠ - ٨٣.