متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة إبراهيم #

صفحة 415 - الجزء 2

  عباده إلى الإيمان والنجاة، فقال: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ}⁣(⁣١)!

  وهذه الآية تدل على أنه تعالى جسم، ليصح أن يبرز إليه عباده.

  والجواب عن ذلك: أنه تعالى إنما ذكر ذلك عنهم في القيامة وقد زال التكليف وحصل وقت الجزاء، فلا يجوز أن يريد بقوله: {قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ} ما ذكروه من الإيمان.

  وقوله تعالى من بعد: {سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا} يدل على أن المراد بما تقدم ذكره من الهدى ما يتصل بما يتعذر التخلص منه، فإذا يجب أن يكون المراد بذلك أنه تعالى لو جعل لهم إلى النجاة طريقا لنجوا، وتخلصوا، وخلصوا أتباعهم، فإذا لم يجعل لهم إلى ذلك طريقا فالنجاة فيهم وفي أتباعهم ميثوس منها، ولذلك قالوا: {سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا}.

  وقد قيل: إنهم أرادوا بذلك أنه تعالى لو هداهم في دار الدنيا إلى ما اختاروه من الكفر، بأن جعله دينا صحيحا، لهدوا أتباعهم الذين دعوهم إلى طريقهم! والأول أقوى.

  ٣٧٥ - وقوله تعالى من بعد: {وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} - «وفرغ من ذكر القضاء⁣(⁣٢) - {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}⁣[٢٢].


(١) الآية: ٢١ وتتمتها: {سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ}.

(٢) د: وفرغ من فصل الخطاب،