متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة إبراهيم #

صفحة 416 - الجزء 2

  يدل على تنزيه القديم تعالى من القبائح؛ لأنه تعالى لو كان هو الفاعل لها لما صح أن يوصف بأنه الحق في الوعد، ويجوز فيه أعظم مما يقع من الشيطان؛ لأنه الفاعل في العباد المعاصي أجمع، وفي الشيطان الدعاء إلى الضلال والترغيب فيه.

  ٣٧٦ - وقوله تعالى من بعد: {وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ}⁣(⁣١) يدل على بطلان القول بالجبر من جهات:

  منها: أنه تعالى لو كان الخالق فيهم الضلال لم يصح وصفهم بأنهم استجابوا للشيطان، لأن المستجيب لغيره إنما يوصف بذلك إذا اختار لأجل قوله ما لولاه لكان يصح أن يختار خلافه، ولذلك لا يوصف من رمى من شاهق فانهبط إلى الأرض أنه يستجيب في ذلك لغيره، لما لم يمكنه الانفكاك منه.

  ومنها: أنه أضاف اللوم إليهم ونفاه عن نفسه، ولو كان تعالى هو الذي خلق فيهم الضلال والكفر لكان الواجب في الخطاب أن يقال: فلا تلوموني ولوموا خالقكم الذي فعل فيكم الكفر، وأوجبه بالقدرة الموجبة له، وجعلكم بحيث لا محيص لكم. وبطلان ذلك يبين صحة ما نقول.

  ومنها: أن الوجه الذي له زال اللوم عن الشيطان - على قولهم - هو موجود في العبد نفسه، فهو بأن يزول عنه اللوم أحق، لأنه بدعائه إياهم إلى الضلال لم يخلق فيهم ذلك ولا اضطرهم إليه، ولا أزالهم عن طريقة الاختيار


(١) من تتمة - الآية السابقة ٢٢.