ومن سورة إبراهيم #
  و [أما] العبد فحاله مع الكفر في ذلك أبعد! لأنه لم يفعله ولا حصل له سبيل إلى إزالته عن نفسه؛ لأنه تعالى هو المختار لفعله فيه، ولا يجوز أن يقف اختياره على إرادته، فكان يجب أن يكون بزوال اللوم عنه أحق.
  ومنها: أنه كان يجب - على قولهم - أن لا يكون لهذه المخاطبة الجارية بين الشيطان ومن اتبعه معنى؛ لأنه تعالى هو الذي فعل فيه الدعاء، وفيمن اتبعه الاستجابة، وهما كالظرف لفعله، فما وجه هذا الخطاب الذي يقتضى تحقيق الذم في أحدهما دون الأخر؟ وقد كان الأولى أن يظهر العذر ويذكر أنهما محمولان على ما وقع فيهما، مضطران إليه، فاللوم عنهما جميعا زائل.
  ٣٧٧ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يفعل الإيمان والتوحيد في القلوب والألسنة ويثبتهما، فقال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ}[٢٧].
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره يقتضى أنه يثبت الذين آمنوا، وليس فيه بيان الأمر الذي يثبته عليه، وقوله تعالى. {بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} لا يدل ظاهره على أنه الأمر الذي يثبته عليه؛ بل يحتمل أن يراد به أنه يثبته لأجل ذلك، كما قال تعالى: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ}(١) وكما قال: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا ...}(٢) إلى ما شاكله، فلا يصح إذا أن يتعلقوا بالظاهر.
  والمراد بذلك: أنه تعالى يثبتهم في نعيم الدنيا وفيما يختصون به من الإكرام
(١) من الآية: ٩ في سورة يونس
(٢) من - الآية: ١٦٠ في سورة النساء.