ومن سورة إبراهيم #
  ثم يقال للقوم: لو كان ما ذكرتموه يدل على أن المكر من قبله لما جاز أن يضيفه إليهم، فيقول: مكرهم، ولما جاز أن يذمهم عليه! وذلك يدل على ما قلناه في تأويله.
  وبعد، فإنه تعالى نسب المكر إليهم، ثم بين أنه عنده(١)، فإن أراد به أنه فعله أدى ذلك إلى التناقض من حيث يوجب أن يكون مكرهم، ويكون فعلا له تعالى، وإن كان كذلك فإضافته إليه لا وجه له!
  وبعد، فإن «عند» لا تستعمل إلا في موجود، لأن المعدوم لا يصح ذلك فيه إلا مجازا، فإذا صح ذلك، ثم وقع منهم المكر ووجد، فيجب أن يكون في تلك الحال عنده تعالى، وفي تلك الحال قد خرج من أن يكون فعلا له، وذلك يوجب إثبات الفعل في حال يجب نفيه، وهذا محال، فيجب أن يكون المراد بالظاهر ما قلناه.
  ٣٨٢ - مسألة: قالوا: ثم ذكر بعده ما يدل على أنه جسم يصح أن يبرز إليه، فقال: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ}(٢).
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره لا يدل على ما توهموه؛ لأنه لم يقل:
  برزوا إليه، فيقرب أن يكون له ظاهر، وإنما قال: برزوا له، وهذا قد يذكر ويراد به الغرض، كما يقول القائل: صليت للّه، وحججت له، وطفت. والمراد بذلك أنه فعل ذلك لأجله على جهة التقرب. فمن أين أن ظاهر ذلك أنهم ظهروا له في مكان واحد؟
(١) ف: من عنده
(٢) من الآية: ٤٨.