متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الحجر

صفحة 426 - الجزء 2

  قيل له: إنا لم نحمله على الذكر لأن الظاهر يقتضيه، لكن على وجه المجاز، ودللنا عليه بما تقدم ذكره، وأنتم أردتم الخلق بظاهره وبينا أنه لا ظاهر لكم فيه.

  على أن للذكر في هذا الباب مزية، وذلك أنه تعالى إذا أسمعهم ذلك وأورده عليهم، حتى قرع أسماعهم، صار بمنزلة السالك إلى القلب والوارد عليه، وحل محل الجسم إذا ورد على جسم، وليس كذلك حال الكفر، لأنه يبتدأ به في القلب، فلا يصح فيه معنى السلوك، لا مجازا ولا حقيقة، يبين ذلك أنه خص القلب به لما كان المقصد بإيراد الذكر أن يفهم القلب ثم يعمل به، ولو كان المراد به الكفر والمعصية لم يكن للقلب فيه مزية، لأنهما قد يحلان في غيره، كما يحلان فيه!

  ثم يقال لهم: لو كان تعالى يسلك الكفر في قلوبهم لم يجز أن يذموا ويكلفهم تركه، ولما جاز أن يقول تعالى، على جهة التوبيخ، {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ}⁣(⁣١) إلى غير ذلك!

  فإن قال: فلما ذا خص المجرمين بالذكر، وهو تعالى يورد القرآن على الجميع؟

  قيل له: إنه تعالى أراد أن يبين لهم أنهم وإن عدلوا عن الإيمان بالرسول # والذكر، واجتهدوا في جحدهما، فلا بد من أن يورد ذلك على قلوبهم، فيكون مزيحا للعلة ومقيما عليهم⁣(⁣٢) الحجة، وليبين أنهم من قبل أنفسهم أتوا، لا من قبله تعالى، وذلك مما لا يتأتى فيمن قد آمن، فلذلك خصوا بالذكر.


(١) من الآية: ١٠١ من سورة آل عمران.

(٢) في النسختين: عليه.