ومن سورة الحجر
  من القلوب بفعل الإيمان، فقال تعالى {وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ}[٤٧].
  والجواب عن ذلك: أن «الغل» لا يدل على الكفر ولا يفيده، ولذلك يصح في الكافر أن يقال: ليس في قلبه غل ولا غش، إذا سلم الناس غائلته، وزال عنه الحسد والتنافس، فالظاهر إذن لا يدل على ما قالوه.
  وبعد، فإن الآية واردة في أهل الجنة، فيجب أن يكون المراد بها بيان مفارقتها(١) للدنيا في المنافسات وضروب الحسد والبغضاء؛ لأن الآخرة ليست دار تكليف، فيزول الكفر عن القلوب بالإيمان، ولأن من أهل الجنة من لم يكن في قلبه الكفر قط، كالأنبياء وغيرهم، فلا يمكن حمل الآية على ما قالوه.
  والمراد بها: أن ما يلحق القلب من طلب الرتب، والاعتصام بقصور الأحوال لا يلحق أهل الجنة؛ لأنه تعالى قصرهم على ما أعطاهم، وصيرهم في هذا الباب بمنزلة الواحد منا الآن في أنه لا يطلب مرتبة الرسول # في التبجيل والتعظيم، ولا يلحقه بفقد ذلك غم.
  ٣٩٢ - وقوله تعالى من بعد: {لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ}[٤٨] يدل على أن في الدنيا يصيبهم ذلك، ولو كان فعلهم من خلقه تعالى لكان لا يصح عليهم النصب والتعب، كما لا يلحق الزنجي بلونه التعب.
  ٣٩٣ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يقدر على المعاصي وسائر أفعال العباد، ويقضيها، فقال: {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ}[٦٠].
(١) د: مف.