متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة النحل

صفحة 435 - الجزء 2

  ويجوز أن يحمل قوله تعالى: {وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ} على أنه لو شاء أن يحملهم ويلجئهم إليه لفعل، على نحو ما بيناه من قبل في نظائر هذه الآية - وقد بينا هناك أنه لا ظاهر لأمثاله⁣(⁣١)، فلا وجه لإعادته.

  ٣٩٨ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه المختص بأنه يفعل ويخلق، دون غيره، فقال تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}⁣[١٧].

  ثم قال بعده: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ}⁣[٢٠].

  والجواب عن ذلك: أن ظاهره إنما يوجب أن من يخلق ليس كمن لا يخلق، وأن من يدعونه من دون اللّه، من الأصنام لا يخلق، وهذا مما لا خلاف فيه، فمن أين أن غير اللّه تعالى لا يجوز أن يفعل إذا كان حيا قادرا؟

  وقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} ليس فيه بيان أن من يخلق: هو اللّه تعالى فقط، فكيف يصح تعلقهم بهذا الظاهر، وقد علم أن لفظة: «من» تتناول الواحد من العقلاء وتتناول الكثير، فلا دلالة إذن فيما قالوه.

  وبعد، فلو صح أن يستدل به، كان لا يدل إلا على أن غيره تعالى لا يخلق، وليس فيه أنه لا يفعل، وقد بينا أن إطلاق الخلق إنما يصح في اللّه ø، لما كان مقدرا لجميع ما يحدثه، ولا يخرج شيء من أفعاله عن هذه الطريقة⁣(⁣٢)،


(١) انظر فيما تقدم الفقرات: ٨٠، ١٩٥، ٢٠٨.

(٢) انظر الفقرة: ٢٥٦.