ومن سورة النحل
  دون من يختلف حاله فيما يحدثه مرة بقدر(١) ومرة ببخت، ومتى استعمل ذلك في أحدنا، فعلى تقييد وبيان.
  والمراد بالآية تبكيت عباد الأصنام وتوبيخهم على عبادتهم، من حيث لا يصح منها أن تخلق وعدولهم وتنعم عن عبادة اللّه الذي هو الخالق للأعيان، والمنعم يساير وجوه الإنعام، ولذلك قال في الآية الثانية: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} فبين معنى ما ذكرناه، بعد أن ذكر نعمه وأنها لا تحصى، منبها بذلك على أنه المختص باستحقاق العبادة، من حيث يختص بخلق النعمة التي بها يستوجب العبادة، وهذا ظاهر.
  فإن قال: فقد كان فيمن يدعون من دون اللّه من هو فاعل في الحقيقة عندكم، كنحو من عبد عيسى وغيره، فيجب أن يدل ذلك على أنه لا يجوز أن يخلق!
  قيل له: المقصد بالكلام هو من يعبد الأصنام، ولذلك قال بعده:
  {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ ...}[٢١] ولو دخل تحته ما ذكرته لكان ما تقدم يسقطه؛ لأنا قد بينا أن العبد لا يخلق على الإطلاق، وقد بينا - أيضا - أن ما به تستحق العبادة لا يصح من العبد أن يفعله، وكل ذلك يسقط ما ذكرته.
  ٣٩٩ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أن العبد قد يؤخذ بذنب غيره، فقال تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ...}[٢٥].
(١) أي: بتقدير.