ومن سورة النحل
  ولا يحتاج إلى الوسواس في أفعله فهو - إذن - عبث! فإذا كان عبثا فليس للشيطان فيما يلحق العبد مدخل البتة، فكيف تجب الاستعاذة باللّه منه؟!
  ومن وجه آخر: وهو أن الشيطان إذا وسوس، فالوسوسة فيه واجبة لأمر لا يتعلق بنا، وإذا أخطأنا فذلك واجب فينا، لأمر(١) لا يتعلق بالشيطان، فلم صرنا بأن نستعيذ من الشيطان بأولى من أن يستعيذ الشيطان منا في هذا الفعل خاصة؟
  ومن وجه آخر: وهو أنه تعالى بين أنه لا سلطان له على الذين آمنوا، وأن سلطانه على الذين يتولونه، ولو كان ما يحدث في المؤمن وفيمن يتولاه، من قبله تعالى، لكان حاله فيهما سواء، في أنه لا سلطان له عليهما.
  فإن قال: فهذا يلزمكم إذا قلتم إن المؤمن ومن يتولاه يتساويان، في أن ما فعلاه من قبلهما!.
  قيل له: لا يجب ذلك؛ لأن من يتولاه صار الوسواس الواقع من الشيطان داعية له إلى الفعل، فأقدم عليه لأجله، وعلى جهة القبول منه، وليس كذلك المؤمن؛ لأنه أبى أن يقبل منه، ولم يؤثر وسواسه فيه، فلذلك افترقا - ولو كان تعالى هو الخالق لفعلهما - ولا يجوز أن يقال في وسوسته إنه يدعو(٢) القديم إلى الفعل أو يفعله لأجل قبوله منه، فوجب ما ذكرناه على المخالف.
  فإن قيل: إذا كان يدعو من يتولاه على الحد الذي يدعو المؤمن، فكيف يجوز أن يقول تعالى: ليس له سلطان على الذين آمنوا، وإنما سلطانه
(١) في د. لأنه.
(٢) في ف: يدعوهم.