ومن سورة النحل
  على الذين يتولونه، وحال فعله معهما لا تختلف؟
  قيل له: إن المؤمن، لما كان لقوة بصيرته وشدة رغبته في الطاعة ومعرفته بموقع المعصية تصير وسوسته غير مؤثرة فيه، جاز أن يقول: «لا سلطان له(١) عليه. ومن يتولاه لما خرج عن هذه الصفة، وصيّر نفسه كالمنقاد له فيما يخطر له من الشر، جاز أن يقول: له عليه سلطان، وإلا فلو كان يفعل بمن يتولاه أكثر من الوسوسة حتى يحمله على المعصية وقدر على ذلك، لكان يفعل مثله بالمؤمن؛ لأنه إلى الإضرار بالمؤمن أقرب، ومحبته لصرفه عن الإيمان أشد.
  وهذه الآية، من هذا الوجه، تدل على بطلان قول الحشوية أن الشيطان يقدر على أن يصرع الإنسان ويخبطه، لأنه لو قدر على ذلك لكان له سلطان على الذين آمنوا، لأن فيهم من قد يلحقه ذلك.
  وتدل أيضا على أن الشيطان لا يقدر على أن يرفع الصوت على وجه نسمعه؛ لأنه لو قدر على ذلك لأفشى سر المؤمن، ولبثّ عنه ما يضره انتشاره وظهوره، وكان يكون له عليه سلطان من بعض الوجوه.
  ومن وجه آخر، وهو أن قوله تعالى: {وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(٢) يدل على أن العبد يفعل، لأن توكله عليه إنما هو بأن يطلب الشيء من جهته ولا يعدل عنه إلى غير وجهه، ولو لم يكن فاعلا لما صح ذلك فيه، كما لا يصح أن يتوكل على اللّه في لونه وسائر ما اضطر إليه!
(١) ساقط من د.
(٢) تتمة الآية ٩٩ السابقة.