متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة «بني إسرائيل»

صفحة 457 - الجزء 2

  وليس فيه أن الذي يقدمون عليه فساد، وقد يجوز أن يكون ذلك صلاحا، ويجوز أن يكون فسادا، فلا يصح تعلقهم به.

  وبعد، فلو كان الفساد مذكورا فيه، لما صح تعلقهم بالظاهر، لأنه كان يجب أن يكون تعالى يبعث من يفسد ويأمر بذلك، وليس هذا بمذهب القوم؛ لأنهم وإن قالوا إنه تعالى يريد ذلك، فمن قولهم إنه قد نهى عنه وزجر عن فعله، ولا يجوز أن يكون باعثا لهم عليه، أو إليه مع النهى والزجر، فلا يصح - إذن - تعلقهم بالظاهر!

  والمراد عندنا بذلك: أنه تعالى بعث، لما وقع الفساد الأول من بني إسرائيل، من حاربهم وغزاهم، فيكون الكلام على ظاهره، ثم قال تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ}⁣[٦].

  فجعل لهم الظفر لما تابوا وعدلوا عن طريق الفساد، فبعض ذلك يصدق بعضا في الوجه الذي ذكرناه.

  وفي شيوخنا، رحمهم اللّه، من قال: إنه تعالى لما خلّى بين القوم وبينهم ولم يمنعهم من محاربتهم، جاز أن يقول {بَعَثْنا عَلَيْكُمْ} كما قال: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}⁣(⁣١) من حيث خلّى ولم يمنع على بعض الوجوه.

  ٤١٧ - مسألة: قالوا: ثم ذكر - تعالى - بعده ما يدل على أنه الفاعل لكل شيء، فقال: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا}⁣(⁣٢).


(١) من الآية: ٨٣ من سورة مريم.

(٢) من الآية: ١٢.