متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة «بني إسرائيل»

صفحة 459 - الجزء 2

  يدل على أمور: منها: أن العبد هو الذي يفعل الاهتداء والضلال.

  ومنها: أنه يؤتى في أن يضل من قبل نفسه.

  ومنها: أنه لا يجوز أن يضر أحدا ضلاله؛ لأنه لو أضرّ به ذلك لم يكن ضلاله على نفسه، بل كان عليها وعلى غيره، وذلك يدل على أن أحدا لا يؤخذ بذنب غيره، كما يدل قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} على ذلك.

  ومنها: أنه تعالى نبه بهذا على أن العبد لا يجوز أن يؤخذ بما يخلق فيه؛ لأنه لو جاز ذلك لكان الضلال من الخالق، ولا يكون حكمه وعقوبته عليه، بل يكون على من أوجده⁣(⁣١) فيه، ولو جاز ذلك لجاز أن يؤخذ بفعل غيره.

  ٤١٩ - وقوله تعالى: {وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} يدل على بطلان قولهم في المخلوق من جهات:

  منها: أنه لو عذبهم على ما خلقه فيهم لم يكن لبعثه الرسول معنى، فضلا عن أن يجعل شرطا في تعذيبهم!

  ومنها: أنه تعالى نبه بذلك على أن تعذيبهم لا يقع إلا بعد إزاحة العلة ببعثه الرسل، فإن لم يكن تصرفهم يقع من قبلهم لم يحتج إلى ذلك، لأن وجوده كعدمه.

  ومنها: أنه بين «أنه لا يعذبهم حتى يبعث إليهم رسولا⁣(⁣٢) فبأن لا يعذبهم على ما لا يقدرون عليه أولى، لأنه إذا لم يعذّب القادر العاقل على فعله من حيث لم يبعث إليه من يبين له الأمور، فبأن لا يعاقب من لا يتمكن من الفعل أولى!


(١) في النسختين: وجد.

(٢) ساقط من د.