ومن سورة «بني إسرائيل»
  فإن قال: فما المراد بذلك، وعندكم أن المكلف بالتكليف العقلي يحسن تعذيبه وإن لم تبعث إليه الرسل؟
  قيل له: إن المراد به العذاب المعجّل في دار الدنيا؛ لأن عادة اللّه تعالى لم يجرها إلا بعد بعثه الرسل، ووقوع التكذيب منهم.
  وقد قيل: إن المراد بذلك: من المعلوم من حاله أن مصالحه موقوفة على شريعة الرسل؛ لأن من هذه حاله لا يجوز أن يخلّى من رسول يبعث إليه، ولو لم يبعث إليه لم يحسن تعذيبه!
  وقد قيل: إن المراد بذلك الخواطر الواردة على المكلف على كل حال؛ لأن التكليف كان لا يصح إلا بعدها. وعلى جميع الوجوه؛ فالذي ذكرناه من الأدلة صحيح.
  ٤٢٠ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه - تعالى - يريد الكفر والفسق والهلاك، فقال: {وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ ...}[١٦].
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره - إن دل - فإنه يدل على أنه تعالى أمر بذلك، وليس هذا بقول لأحد، فكيف والظاهر لا يدل على ما قالوه، لأنه لم يذكر تعالى المأمور به، وحذف ذكره، وإنما بين أنهم فسقوا فيها، فكيف يصح التعلق بظاهره؟
  وأما قوله تعالى: {وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} فالهلاك المراد قد يكون حسنا إذا كان عقابا أو محنة، فلا ظاهر له في أنه قد أراد القبيح، تعالى اللّه عن ذلك!