ومن سورة «بني إسرائيل»
  وبعد، فإن قوله: {فَفَسَقُوا فِيها} يدل على أن المأمور به هو الشيء الذي بفسقهم خرجوا عنه، ولولا ذلك لم يصح أن يتعلق به.
  فالمراد بالآية: أنه أمرهم بالطاعة ففسقوا بالخروج عن ذلك، فحق عليهم القول والوعيد، لأنه تعالى كان خبر عنهم أنهم سيهلكون بسوء اختيارهم(١).
(١) هذا التأويل الذي ارتضاه القاضي |، هو أحد وجوه أربعة ذكرها الشريف المرتضى في أماليه، وفصل فيها القول ووجوه الاعتراض بأحسن مما أوجزه شيخه هنا في وجه واحد، إلا أن هذا الوجه هو اختيار أبى جعفر الطبري | - أيضا - فبعد أن ذكر في تأويل الآية، وفي قراءة [أمرنا] عدة روايات، صوب قراءة من قرأ: أمرنا بقصر الألف، وتخفيف الميم - وهي القراءة التي ذكرها القاضي. أولا - «لإجماع الحجة من القراء على تصويبها، دون غيرها» كما ذكر، ثم قال: «وإذا كان ذلك هو الأولى بالصواب فأولى التأويلات به، تأويل من تأوله: أمرنا أهلها بالطاعة، فعصوا وفسقوا فيها فحق عليهم القول؛ لأن الأغلب في معنى [أمرنا] الأمر الذي هو خلاف النهي، دون غيره، ...
ومعنى قوله: {فَفَسَقُوا فِيها}: فخالفوا أمر اللّه فيها، وخرجوا من طاعته، [فحق عليها القول] يقول: فوجب عليهم بمعصيتهم اللّه وفسوقهم فيها، وعيد اللّه الذي أوعده به من كفر به، وخالف رسله، من الهلاك بعد الإعذار والإنذار بالرسل والحجج». انظر الأمالي ١/ ١ - ٥ الطبري: ١٥/ ٥٧.
أما الزمخشري |، فقد رد هذا الوجه بإطلاق، وقال في ذلك كلاما دقيقا ننقله بنصه تعقيبا على اختيار القاضي وترجيح الطبري، قال: «فإن قلت: هلا زعمت أن معناه: أمرناهم بالطاعة ففسقوا! قلت: [لا يصح] لأن حذف ما لا دليل عليه [غير] جائز، فكيف يحذف ما الدليل قائم على نقيضه؟ وذلك أن المأمور به إنما حذف لأن «فسقوا» يدل عليه، وهو كلام مستفيض؛ يقال: أمرته فقام، وأمرته فقرأ، ولا يفهم منه إلا أن المأمور به قيام وقراءة.
ولو ذهبت تقدر غيره فقد رمت من مخاطبك علم الغيب» «ولا يلزم على هذا قولهم:
أمرته فعصاني، أو: فلم يمتثل أمرى؛ لأن ذلك مناف للأمر، مناقض له، ولا يكون ما يناقض الأمر مأمورا به، فكان محالا أن يقصد أصلا، حتى يجعل دالا على المأمور به، فكان المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه ولا منوى؛ لأن من يتكلم بهذا الكلام فإنه لا ينوى لأمره مأمورا به، وكأنه يقول: كان منى أمر فلم تكن منه طاعة، كما أن من يقول: فلان يعطي ويمنع ويأمر وينهى، غير قاصد إلى مفعول، ثم يفعل. «فإن قلت: هلا كان ثبوت والعلم بأن للّه لا يأمر بالفحشاء، وإنما يأمر بالقصد والخير، دليلا على أن المراد: أمرناهم بالخير ففسقوا قلت لا يصح ذلك؛ لأن قوله: ففسقوا، يدافعه، فكأنك أظهرت شيئا وأنت تدعي إضمار خلافه».
أما الوجه عنده، فهو صرف الأمر إلى المجاز، قال في قوله تعالى: =