متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة «بني إسرائيل»

صفحة 466 - الجزء 2

  بالحجاب. وهذا إنما يفعله بعد قيام الحجة وسماعهم القرآن مرة بعد مرة، لأنه إذا علم تعالى، فيمن هذا حاله، أنه لا مصلحة له في سماع قراءته من بعد، وأن فيه تأذى الرسول # جاز أن يمنعهم منه.

  ٤٢٥ - فأما قوله تعالى: {وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً}⁣[٤٦]، فالمراد به التشبيه. وقد بينا ذلك في سورة الأنعام⁣(⁣١).

  ٤٢٦ - مسألة: قالوا: ثم ذكر بعده ما يدل على أن العبد لا يقدر إلا عند الفعل، فقال: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا}⁣[٤٨] ولو قدروا على خلاف ما هم عليه لما صح أن يقول ذلك!

  والجواب عن ذلك: أن ظاهره لا يدل على ما أخبر أنهم لا يستطيعونه، من حيث لم يذكر ما لا يستطيعون⁣(⁣٢) السبيل إليه، بل الظاهر يقتضى خلاف ما قالوه، وهو أنه تعالى حكى عنهم أنهم ضربوا الأمثال للرسول صلّى اللّه عليه بما لا يليق به، وأنهم ضلوا بذلك⁣(⁣٣)، ثم قال: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} إلى ما تقدم ذكره؛ لأنهم كانوا لا يقدرون على أن يثبتوا أنه ساحر أو مجنون، وليس فيه أنهم كانوا لا يقدرون على مفارقة الضلال والكفر، فالتعلق به لا يصح.

  ٤٢٧ - مسألة: قالوا: ثم ذكر بعده، ما يدل على أنه الفاعل في العبد


(١) انظر الفقرة: ٢٠٦.

(٢) ف. ما يستطيعون.

(٣) الآية السابقة: ٤٧ قوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً}