ومن سورة «بني إسرائيل»
  تصرفه ومسيره في البر والبحر، فقال: {أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى}(١) ثم قال بعده: {وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}(٢).
  والجواب عن ذلك: أنه ليس في ظاهره أنه فعل ذلك أو سيفعله. وإنما قال تعالى: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ}[٦٨] ثم قال بعده مبينا لهم أنه المسلّم، وأن الواجب التوكل عليه والانقطاع إليه: {أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى} مبينا لهم أنهم لا يؤمنون بذلك، وليس فيه أنه يفعله بهم، أو قد فعله بهم. ولو أخبر أنه يفعله بهم لوجب أن يقول: إنه يعيدهم إلى البحر بفعل يفعله. فلا يدل ذلك على أنه الخالق لسائر أفعالهم!
  فأما قوله: {وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} فظاهر «حملناهم» لا يدل على أنه خلق فيهم تصرفهم في الموضعين؛ لأن خالق ذلك في الحقيقة لا يقال فيه: إنه حملهم، لأن الحمل هو فعل مخصوص لا يصح إلا على الأجسام. ومتى حمل على خلافه فهو توسع، وإن ظهر فيه التعارف.
  وهذا هو المراد عندنا؛ لأنه تعالى بين أنه الذي يمكنهم من التصرف في البر والبحر، ويعطيهم الآلات التي يركبونها فتصير حاملة لهم، كالدواب في البر، والسفن في البحر، وإنما ذكر ذلك على طريق الامتنان بهذه النعم العظيمة، ولو أراد به أنه يضطرهم إلى ذلك ويخلقه فيهم، لم يكن له معنى!
  ٤٢٨ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يثبت المطيع على الطاعة، ولو لم تكن من فعله لما صح ذلك، فقال: {وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا}[٧٤]
(١) من الآية: ٦٩.
(٢) من الآية: ٧٠.