متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة «بني إسرائيل»

صفحة 468 - الجزء 2

  والجواب عن ذلك: أن التثبيت على الشيء ليس هو الشيء بنفسه، لأن الفعل قد يحصل ولا يثبت الفاعل عليه، وقد يحصل ويثبت عليه، فلا يدل ظاهره على أنه تعالى إذا ثبته فقد فعل فيه الإيمان، وعلى هذه الطريقة تجرى هذه اللفظة؛ لأنه يقال: فلان قد ثبت على هذا الأمر، وقد ثبت على الفعل، ويراد بذلك غير الفعل، لكنا قد علمنا أن الفاعل لا يجوز أن يثبت على فعله لعلة سوى فعله، فلا بد من أن تحمل الآية على أنه تعالى يثبته بالألطاف والمعونة والتأييد والعصمة⁣(⁣١)، فلا تدل الآية على ما قاله القوم، ولو كان تعالى ثبته صلّى اللّه عليه بأن خلق فيه الفعل ونهاه لم يكن لقوله: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا} معنى؛ لأنه كان يجب أن يكون ممنوعا من هذا الركون، فإنما يصح على ما قلناه.

  ٤٢٩ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه قد يريد الكفر والقبيح، فقال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً}⁣[٨٢] فإذا علمنا أن القرآن لا يجوز أن يزيدهم، علمنا أن منزله هو الذي زادهم، وهذا يدل على أنه أراد منهم الخسران وفعله.


(١) سبقت الإشارة إلى مثل هذه الألفاظ عند التعليق على اللطف والتوفيق (انظر تعليقنا على الفقرتين: ١٤، ١٥٤) وقد شرح القاضي في آخر كتابه شرح الأصول الخمسة حقيقة المراد بهذه الألفاظ عندهم! فقال في المعونة: إنها تمكين الغير من الفعل مع الإرادة له، ولهذا لا يجوز إطلاق القول بأن أفعالنا كلها من جهة اللّه تعالى، على معنى أنه أعاننا عليها، لأنه لا يصح أن يقال إنه أعاننا على المعاصي، لأنه لم يردها. أما العصمة فهي في الأصل:

المنع، وصارت بالعرف «عبارة عن لطف يقع معه الملطوف فيه لا محالة، حتى يكون المرء معه كالمدفوع إلى أن لا يرتكب الكبائر، ولهذا لا يطلق إلا على الأنبياء، أو من يجرى مجراهم» على ما جاء في شرح الأصول، وإن كنا نعتقد أن قوله: أو من يجرى مجراهم» من عبارة معلق الكتاب، وهو زيدي، وقد أجاز لنفسه | أن يكتب فصل الإمامة في الكتاب من وجهة نظره كذلك.

انظر شرح الأصول الخمسة، ص: ٧٧٩ - ٧٨٠. وانظر ص ٧٤٩ فما بعدها مع تعليق الأستاذ المحقق الدكتور عبد الكريم عثمان.