ومن سورة «بني إسرائيل»
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره إنما يدل على أن القرآن لا يزيد الظالمين إلا خسارا، فمن أين أنه تعالى يريد ذلك أو يخلقه، ولم صاروا، إذا لم يمكنهم حمل الآية على ظاهرها، أن يتأولوها على أنه تعالى يزيدهم، دون أن تحمل على وجه آخر؟ لأن ما أمكن فيه الوجوه الكثيرة فحمله على البعض دون البعض يحتاج إلى دلالة. ولم صاروا بتأويلهم أولى منا بأن نقول: إن نزول القرآن لمّا كان كالسبب في أن كفروا جاز أن يضاف ذلك إليه، كما أضاف تعالى زيادة الرجس إلى السورة، في قوله: {فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ}(١).
  ولولا أن الأمر على ما قلناه لم يستحقوا الذم بذلك، ولم يكن القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين، لأنه تعالى هو الذي خلق فيهم الإيمان وفي غيرهم الكفر، فلا يكون للقرآن تأثير في ذلك، وهذا ظاهر البطلان.
  ٤٣٠ - دلالة: وقوله تعالى: {وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى}[٩٤] يدل على أن المكلف يتمكن من الإيمان، قادر عليه، مزاح العلة فيه، وإنما يؤتى من قبل نفسه.
  ولو كان تعالى لم يقدره عليه، بل خلق فيه الكفر وقدرة الكفر، لكان تعالى قد منعه من الإيمان، فكان لا يصح أن يوبخ بهذا القول أو يقرع بذكره.
  ومن وجه آخر: وهو أنه قال: {إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا}(٢) فبين أنه لا مانع لهم إلا هذا بزعمهم، وبين أن هذا غير مانع أيضا؛
(١) من الآية ١٢٥ من سورة التوبة، والحديث عن السورة؛ لأن الآية السابقة: ١٢٤ {وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ...} الخ.
(٢) تتمة الآية السابقة: ٩٤.