ومن سورة الكهف
  والجواب عن ذلك: أن ظاهر ذلك قد ينطلق على السهو الذي قد يكون من فعله تعالى، كما ينطلق على غيره، فلا يصح تعلقهم به.
  وبعد، فإن الغفلة إذا استعملت فيما يفعله المرء من الجهل والتشاغل عن ذكر اللّه والطعن فيه، لا تكون إلا مجازا؛ لأن من هذا حاله هو ذاكر للشيء عالم به وبأحواله، فلا يوصف بأنه غافل.
  وخروج الكلام على(١) طريق الذم يمنع من أن يكون ظاهره ما قالوه؛ لأنه تعالى لو أغفل قلوبهم(٢) بأن منعهم من الإيمان بالذكر(٣) لما جاز أن يذمهم! ولما صح أن يصفهم بأنهم اتبعوا الهوى، وليس يمتنع في الكلام أن يكون له ظاهر إذا تجرد(٤)، فإذا اقترن به غيره، أو علم أنه قصد بعض الوجوه، خرج عن ذلك الظاهر.
  والمراد بذلك عندنا: ما ذكره أبو علي، ¥، من أنه أراد: ولا تطع من «صادفنا قلبه غافلا(٥) ووجدناه كذلك، كما يقال في اللغة: أجبنت فلانا وأبخلته وأفحمته، إذا صادفه كذلك، وهذا ظاهر في اللغة.
  قال: ويمكن أن يراد بذلك أنا عرينا قلبه عن سمة الإيمان، كما قال تعالى:
  {أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ}(٦)، فبقى غفلا لا سمة عليه، فصح أن يقول لذلك: {أَغْفَلْنا قَلْبَهُ}.
  ومتى حمل على أحد هذين الوجهين لم ينقضه قوله {وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}(٧) لأن كل ذلك ذم لا يصح لو كان منعه من الإيمان بالذكر.
(١) ف: عن.
(٢) د: قلبهم.
(٣) ف: بالكفر.
(٤) د: يجرد.
(٥) د: صرفنا قلبه عن ذكرنا.
(٦) من الآية ٢٢ من سورة المجادلة.
(٧) من الآية السابقة: ٢٨.