متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الكهف

صفحة 475 - الجزء 2

  ٤٣٧ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أن الكفر⁣(⁣١) والإيمان في أنهما من قبله تعالى وبمشيئته، فقال: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ...}⁣[٢٩].

  فإذا صح أن ذلك لا يكون أمرا، فيجب أن يكون دالا على إرادته الأمرين، ولذلك قال في صدر الكلام: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ}.

  والجواب عن ذلك: أن ظاهره يقتضى أنه أمر بالكفر، وهذا ليس بقول لأحد، فلا بد من أن يكون المراد به التهديد والتقريع!

  وقوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} المراد به أن الحق بالأدلة والبيان قد ظهر وعرف ثمرة التمسك به، وما يلحق العادل عنه، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، على جهة التهديد، كما يقول أحدنا لغلامه، وقد بين له الشيء الذي يلزمه التمسك به، ويضره العدول عنه: إن سلكت ما أقوله، وإلا فاعمل ما شئت، على طريق التهديد. وهذا ظاهر.

  ٤٣٨ - دلالة: وقوله تعالى: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}⁣(⁣٢).

  يدل على أنه منزه عن الظلم، ولو كان يفعل الظلم - على ما يقوله القوم - لكان إنما ينزه نفسه عن العبارة والاسم، لا عن الظلم في الحقيقة. والتنزيه لا يقع في العبارات، وإنما يقع في المعاني، وإنما تنزه تعالى عن كثير من الأسماء، لأن معانيها لا تصح عليه، أو لأنها توهم ما يتعالى عنه.

  ٤٣٩ - وقوله تعالى من بعد: {وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ


(١) ساقطة من د.

(٢) من الآية: ٤٩.