متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الكهف

صفحة 479 - الجزء 2

  والجواب عن ذلك: أن ظاهره يدل على أن العبد لا يستطيع السمع الذي هو إدراك الصوت، وهذا قولنا، لأن مشايخنا يختلفون فيه؛ فمنهم من يثبت للصوت إدراكا ويجعله مقدورا للّه تعالى فقط، ومنهم من يقول فيه:

  إنه ليس بمعنى، وإنما يدرك الصوت ويسمع بصحة الحاسة وارتفاع الموانع، فلا يثبت ما يصح إثبات القدرة عليه، أو نفيها، فكيف يصح تعلقهم بالظاهر؟

  ويجب أن يحمل الكلام على أنهم كانوا يستثقلون ما يسمعون والتفكر فيه فيعرضون عنه وعن التدبر له، فوصفوا بذلك، على ما يقال في الشاهد، فيمن يستثقل المسموع: إني لا أستطيع «أن أسمع⁣(⁣١) هذا الكلام، ومقصده ليس إلا ما ذكرناه.

  وقوله: {الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي} لا يمكن حمله على ظاهره؛ لأنه يوجب إثبات غطاء لأعينهم، والمعلوم خلافه، فإذن يجب أن يحمل على التشبيه، من حيث لم ينتفعوا بما رأوا. على ما بيناه في الختم والطبع.

  ٤٤٤ - فأما قوله تعالى، قبل ذلك: {وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ}⁣(⁣٢) فقد استدل شيوخنا، رحمهم اللّه، به على بطلان قول القوم، لأنه لو كان كما يقولون لوجب أن يقول: وما أنسانيه إلا الرحمن، لأنه الذي يخلق فيهم ذلك على وجه لا يمكنهم التخلص منه. وإنما يصحّ ذلك على ما نقوله من حيث كان الشيطان يوسوس، فيتشاغل العبد عند ذلك عن الأمر الذي كلف، فيصح عنده أن يقال:

  إن الشيطان أنساه ذلك وعلى مذهبهم لا يمكن ذلك، ولا يكون له معنى!


(١) ساقط من د.

(٢) من الآية: ٦٣.