متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة مريم

صفحة 480 - الجزء 2

ومن سورة مريم

  ٤٤٥ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى فيها ما يدل على أنه يجعل المؤمن مؤمنا ويخلق الطاعة فيه، فقال: {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا}⁣(⁣١)، فلو لم يكن رضيا بفعله، لما صح لهذا الدعاء معنى!

  والجواب عن ذلك: أن ظاهره إن دل، فإنما يدل على أنه تعالى يصح أن يجعله رضيا ويقدر عليه، وذلك مما لا نأباه، وإن كنا نقول: إن العبد يفعل ويقدر.

  وبعد، فإن الرضىّ قد يكون رضيا بأمور من قبله، وقد يكون كذلك بأمور من قبل اللّه تعالى، نحو كمال خلقه وعقله وسائر ما يفضله اللّه تعالى به⁣(⁣٢) على غيره وليس في الظاهر عموم، فمن أين أن المراد بذلك أحدهما دون الآخر؟ وقد بينا من قبل أن الداعي إذا دعا بالشيء فلا ظاهر لدعائه، لأنه إنما يحسن منه القصد، فما لم يعلم إلى ما ذا قصد لا يعرف فائدته، لأنه لا بد من شرط في الدعاء مضمر إذا لم يظهر فيه ذلك، وكل ذلك يبطل تعلقهم به.

  والمراد عندنا بذلك: أنه سأل اللّه تعالى أن يلطف له ويعينه ليختار ما يصير به رضيا، كما ذكرنا في قوله تعالى: {وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}⁣(⁣٣) إلى ما جرى هذا المجرى، وهذا أصل معروف في اللغة: أنه متى أضيف إلى الغير أمر من الأمور بلفظ يقتضى في غيره الفعلية، فيجب أن يكون محمولا على أسبابه، فلما كان وصف


(١) من الآية: ٦.

(٢) ساقطة من د.

(٣) انظر الفقرة: ٥٣.