ومن سورة مريم
  {وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا}(١) لأنه لا(٢) يصير مباركا «على ما ذكروه(٣) إلا بالصلاة والزكاة، فكان يجب أن يكون داخلا في جملة ما جعله اللّه عليه، فلا يكون لتوصيته به معنى. ومتى ثبت أنه لا يكون مباركا في المستقبل، على ما ذكروه، إلا بأمور من قبله تعالى، فكذلك القول فيما تقدم.
  وبعد، فلو صح ما قالوه لأمكن حمله على أن المراد به: أنه تعالى جعله مباركا على أمته بإرساله، وتحميله إياه الرسالة ويثبتون على الطاعات، فصار سببا لثباتهم على ذلك، فوصف بأنه مبارك، لهذه الوجوه، لأن البركة هو الثبات، والتقى هو لزوم الخير.
  ويجوز أن يراد بذلك: أنه تعالى فعل به من الألطاف ما يثبت معه على طاعاته وإيمانه، فكان جاعلا له كذلك، على ما بيناه فيما تقدم ذكره.
  ٤٥٠ - وقوله تعالى: من بعد: {وَبَرًّا بِوالِدَتِي}(٤) يجوز أن يحمل على ما يكون من قبله تعالى ويجعله، في الأحوال التي يكون عليها، مما لا يدخل تحت فعله، لأن ذلك قد يكون برا بها، أو يحمل على الألطاف على ما بيناه، لأن البرّ بوالديه يوصف بذلك على جهة الفعلية، فإضافته إلى غيره يجب أن تكون إضافة سببه، كما ذكرناه في إضافة علم الولد وصلاحه إلى والده.
  ٤٥١ - وقوله تعالى من بعد: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا} لا يدل على أنه لو كان كذلك لكان يجعله تعالى، وإنما يدل على أنه لم يجعله بهذه الصفة، فقط، فلا ظاهر له فيما يقولون!
(١) الآية ٣١ {وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا}.
(٢) ساقطة من د.
(٣) ساقط من د.
(٤) الآية ٣٢ وتتمتها: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا}.